النهضة
مدينة النهضة.. نموذج التنمية الحضرية المستدامة
في أعقاب زلزال القاهرة ،الذي ضرب مصر عام 1992 وخلف الآلاف من القتلى والجرحى وشرد أكثر من 25 ألف أسرة، نفذ الهلال الأحمر المصري خطة لإنقاذ الضحايا والمنكوبين وإعادة تسكينهم تحولت مع مرور السنوات إلى نموذج يحتذى به في التنمية الحضرية المستدامة.
فمع وقوع الكارثة تصدى الهلال الأحمر المصري بالتعاون مع المجتمع المدني والمتطوعين لها من خلال خطة عمل بنيت على 3 مراحل، أولها تقديم الرعاية العاجلة للمتضررين، وثانيها إسكانهم بمعسكرات الإيواء المؤقت واستمرار رعايتهم، وثالثها إعادة تسكينهم وتأهليهم في مساكن مناسبة أعدتها محافظة القاهرة كان أكبرها مساكن مدينة النهضة (15 كم شرق القاهرة- بجوار مدينة السلام).
وفي بداية تنفيذ المشروع، نجح الهلال في إعادة تسكين حوالي 13 ألف أسرة ،من 32 منطقة عشوائية متفرقة بالقاهرة ممن فقدوا مأواهم ومصدر رزقهم عقب الزلزال، في عدة مناطق كان أكبرها في مدينة النهضة بعد أن أمضوا ثلاثة شهور في معسكرات وخيام الإيواء.
فيما تولت محافظة القاهرة توفير البنية الأساسية والخدمات العامة في المدينة وعلى رأسها إنشاء شبكة مواصلات لربط مدينة النهضة بالمدن الأخرى. وكان الهلال قد شكل مجموعة عمل من متطوعيه من سيدات الهلال الأحمر المصري ليقمن بالمتابعة الدورية للخدمات التي تقدم بالإضافة إلى الإشراف على مراحل المشروع التي يتم تنفيذها، وتدريجيا زاد عدد السكان وتم نقل مزيد من الأسر لمدينة "النهضة" إلي أن وصل عددهم لـ52 ألف أسرة.
وخلال تلك الفترة حرص الهلال على إشراك السكان في دوران عجلة التنمية حيث قام بتكوين نظام هرمي لإدارة المشروع من خلال تقسيم المدينة إلى عدة مجاورات سكنية (من 17 إلى 20 بلوك سكني، بكل بلوك عدد 40 أسرة)، وتم تكوين قيادات منتخبة لكل بلوك ولكل مجاورة سكنية (كان معظمهم من السيدات).
وبناء عليه تم تشكيل ثلاثة لجان مشتركة الأولى هي لجنة المجاورات وهي تتشكل من رؤساء المجاورات ويرأسها مدير المشروع المعين من الهلال الأحمر المصري وتجتمع مرتين شهرياً لمناقشة المشكلات والاحتياجات واتخاذ القرارات اللازمة لحلها، واللجنة الثانية هي لجنة تنمية الحي التي تعرض عليها اجتماعات لجان المجاورات في الأمور التي تتطلب تدخل الأجهزة التنفيذية التابعة للحي ويرأسها رئيس الحي وتتشكل من نائب رئيس الحي ممثل الهلال الأحمر وممثلين عن مسئولي المجاورات وتجتمع مرة شهرياً وكلما دعت الحاجة، والثالثة هي اللجنة المحركة ويرأسها المحافظ وتضم ممثلين عن الإدارات المعنية بالمحافظة والأمين العام للهلال الأحمر المصري وممثلين عن الهلال وتجتمع كل ثلاثة أشهر أو كلما دعت الحاجة لمناقشة المشاكل التي لم يتم حلها بواسطة لجنة تنمية الحي ولوضع سياسات عملية.
كما تم اختيار عدد من شباب وشابات الحي للعمل كمنسقي مجتمع يكون كل منهم مسئولاً عن متابعة تنفيذ المشروع مع عدد محدد من الأسر والمجاورات السكنية الأمر الذي كان له بالغ الأثر في النهوض بالخدمة المقدمة لسكان المدينة.
وفي إطار اهتمام الهلال الأحمر المصري بتقديم الرعاية والتوعية الصحية لأسر مدينة النهضة قام الهلال ببناء مجمع صحي اجتماعي يتضمن عيادات متخصصة (أطفال، ونساء، وباطنة، ورمد، وأسنان، وأنف وأذن وحنجرة) بأسعار رمزية وعمل أيضا على تدريب 240 رائدة صحية ليقمن برفع الوعي الصحي للسكان من خلال عقد اجتماعات أسبوعية مع السيدات.
كما قام الهلال ببناء مركز للخياطة والتريكو وناديين للمرأة لمساعدة السيدات على رفع المستوى الاقتصادي لأسرهن وذلك بالتدريب على انتاج الخيامية والملابس والمفروشات والاستفادة من عائد الربح لهم، بالإضافة إلى فتح 12 فصل لمحو الأمية لخدمة أكثر من 13 ألف فرد.
أيضاً قام الهلال بتخصيص مكان لاستضافة مرضى السرطان من الفلسطينيين الذين يترددون بشكل دوري على مركز أورام السلام التابع لوزارة الصحة والقريب من الهلال الأحمر المصري بالنهضة.
وفيما يتعلق بتنمية قدرات الأطفال، أنشأ الهلال ثلاثة دور حضانة للأطفال (من سن 3 إلى 6 سنوات) وناديين للطفل يوفران العديد من كتب الأطفال، كما قام بتوفير فنيين متخصصين لصقل مواهب الأطفال وإبداعاتهم بالإضافة إلى تخفيض معدلات التسرب من المدارس عبر دفع مصاريف التعليم للطلبة الغير قادرين في مختلف مراحل التعليم ضمن مشروع "حماية الأطفال المعرضين للخطر".
أما الشباب، فقد عمل الهلال الأحمر المصري على تنفيذ برامج تدريبية لهم في مجالات مثل: السباكة، والنجارة، والكهرباء، واللحام، والالكترونيات كما أقام قاعات للكمبيوتر وتكنولوجيا المعلومات لتدريب الشباب على استخدام الحاسب الآلي؛ ووفر فرص عمل لهم بالتعاون مع محافظة القاهرة عبر تخصيص 250 محل تجاري وصناعي للشباب.
كما اهتم الهلال بكبار السن والمكفوفين حيث أنشأ نادي للرعاية المتكاملة لكبار السن وقام بتنفيذ برنامج آخر لرعاية المكفوفين بالتعاون مع المركز النموذجي لرعاية المكفوفين.
وبدورهن، تقوم مجموعة من سيدات الهلال الأحمر المتطوعات بجهود ذاتية لمساعدة المحتاجين من خلال صرف معاشات شهرية للحالات الأكثر احتياجا بواقع (6 آلاف جنيه شهريا لعدد 70 حالة)، إضافة إلى صرف بعض الأجهزة التعويضية للمعاقين، ودفع تكاليف إجراء عمليات صغيرة للمحتاجين، والتبرع ببعض المستلزمات الطبية للمستشفيات، وإقامة مشروعات صغيرة لبعض الأسر المحتاجة.